رجال احرار في ذاكرة التاريخ
سعيد سيفاو رمز من رموز الحركة الأمازيغية بشمال أفريقيا وأحد روادها، الذي توفي على إثر تعرضه لحادث سير مروع ألزمه الفراش،نشأته وتعليمه ..ولد المحروق بمدينة جادو بجبل نفوسة ليبيا سنة 1946 . وقد تيتم من جهة الأم حيث وافاها الأجل في سنة 1953 ، ولم يتجاوز ( سعيد ) السابعة من عمره ، ودفنت في مقبرة سيدي منذر.
وكانت طفولته بين البيت والمدرسة وسلك الكشافة وممارسة بعض هواياته كالمطالعة والمراسلة وبعض المحاولات الكتابية .حيث أخرج أول مجلة حائطية مدرسية له تحت اسم ( جـرما ) 1961 – 1965.ا الأديبوالمناضل الأمازيغي سعيد سيفاو المحروق في سطوريبلغ ( سعيد ) سن الخامسة عشر و تبدأ مواهبه الأدبية في التفتق والإزهار و يكتب أول محاولاته الشعرية جهرا بمجلة الرواد بعنوان ( الرؤيـا ) ،ويبدأ شغفه بالبحث في الهوية واللغة والتاريخ.
ولع باسم ليبيا كثيرا – أصلها – معناها … بدأ يتردد رغم صغر سنه على مجالس الثقافة ومراكزها في طرابلس بالرغم من قلتها، وصعوبة الأمر عليه وهو حديت في أن يستوعب تناقضات المرحلة وشعاراتها وأحداثها في المنطقة لدى كانت جلساته الطويلة في المركز الثقافي المصري بطرابلس آنذاك، وقد دون ” سعيد ” فيما بعد كيف أن لقائه الأول مع كتاب ” تاريخ الفتح العربي في ليبيا ” للشيخ ” الطاهر احمد الزاوي ” وفي تلك السن كان بمثابة الشرارة الأولى لوعيه التاريخي و الوطن الليبي الأمازيغي الخالص.
ويلتقي لأول مرة بعالمي الاباضية الأمازيغيين ” عمرو النامي ” و ” على يحيى محمد ” في إحدى رحلاته الكشفية و في مصر تحديدًا.ي يستمرالفتى ” سعيد ” في التردد على ذلك المركز وبالتالي يتعرف على كتابات الكثير من المثقفين والأدباء والكتاب، وأعجب كثيرا بكتابات القبطي ” سلامة موسى ” ويذكر ” سعيد الأديب ” فيما بعد ، بأنه في تلك المرحلة ، بدأ يشعر بأنه يخرج شيئا فشيئا من قوقعه الداخل وأخذت عيناه الصغيرتان تتفتحان على آفاق جديدة وأفكار مغايرة، وكتب عن ردة فعله الفكرية حينما تعرف على النظرية «الداروينية» ، في تلك السن.و وكنتاجأولي لتلك المرحلة والتي استمرت إلى غاية 1966 بدأت أولى كتابات ” سعيد سيفاو ” الشعرية بالامازيغية في الظهور ومنها قصيدة «AMZRW NEGH» تاريخنا و «TIMUZUA» الكرامة، وأيضا سلسلة البحث والتوثيق للقصص الشعبية الليبية القديمة وكذلك الحكم والأمثلة والطرائف، وغيرها إلى جانب كتاباته المتواصلة في الصحف الوطنية، كالميدان، طرابلس الغرب، اليوم، الهدف.
سعيد يصل مصر
يجتاز ” سعيد سيفاو ” مرحلة الشهادة الثانوية بامتياز وتفوق، مما يؤهله لان يترشح للدراسة في أعلى الكليات وأرقاها بمعايير تلك الحقبة ألا وهي كلية الطب، ويسافر ” سعيد سيفاو ” الشاب إلى القاهرة – مصر وكان ذلك في سنة 1967.إ إلىجانب تفوقه البارز في مجال دراسة الطب ، كانت الفرصة مواتية له للاطلاع وعن قرب على الحياة الثقافية والسياسية في مصر والتي كانت بؤرة الأحداث والقرارات بالنسبة للمنطقة عموما و في أوج التيار القومي العروبي الصاخب الضارب لكل شيء مخالف.
لمع نجم ” سعيد سيفاو ” بين أقرانه الطلبة بمواقفه الشخصية وكتاباته السياسية والأدبية تجاه الأوضاع السائدة في المنطقة عموما وليبيا تحديدا و بعلاقاته الخاصة مع الأمازيغ الجزائر و المغرب، الطلبة معه في مصر.
في نهاية سنة 1969 ، يتعرض ” سعيد سيفاو ” لمضايقات أجهزة النظام (القذافي) أنداك وتبدأ محاولات المساومة ثم التهديد بعد حملة مكثفة من التحقيقات والضغوطات التي تعرض لها في السفارة الليبية بالقاهرة في ذلك الوقت ومع هذا يظل ” سعيد سيفاو ” ابن العشرين ربيعا ، متمسكا بمواقفه ومبادئه وكتاباته رافضا التراجع أو التنازل.
فيؤدي هذا الاحتدام إلى قطع المنحة الدراسية فيضطر إلى الرجوع للوطن ، بعد أن أنهى سنته الدراسية الثانية بكلية الطب بجامعة القاهرة.
عودة “المحروق” إلى الوطن
يلتحق “سعيد سيفاو” حين عودته للوطن بكلية الحقوق بجامعة بنغازي، ومع بدايات دراسته للقانون، أمست مقالاته وكتاباته المختلفة، منتشرة في الكثير من الصحف والمجلات والإصدارات الليبية في تلك الفترة.
1969 – 1972 تقع التحولات السياسية المعروفة في ليبيا، و يتساءل ” سعيد سيفاو ” في كتاباته المنشورة في جرائد «الميدان» و «اليوم» ، وغيرها وبكل علانية : «ماذا سيكون مصير الليبيين الامازيغ والامازيغية في ليبيا في ظل هذه التوجهات العنصرية الاقصائية للقومية العروبية».
واحتفظ النظام الثوري العروبي بحق الإجابة على ” سيفاو ” إلى سنوات لاحقة !.
كانت علاقات “سعيد سيفاو” بالأوساط الأدبية الليبية في تلك الفترة جيدة، بل وحميمة ، مع الكثيرين ، وتوجت تلك العلاقات بالتعرف على الكاتب الليبي المغمور في تلك الفترة ” إبراهيم الكوني ” ونشئت بينهما علاقة صداقة ، حالت الظروف والسلوكيات والأفكار دون استمرارها كما حالت تلك الظروف تماما ، دون استمرار تواجد ” سعيد سيفاو ” في الساحة الأدبية الرسمية في ليبيا.
1972-1974 بداية التحولات السياسية والانقلاب الحقيقي في ليبيا فمع ندوة الفقه الثوري وخطاب زواره «المشئوم» بنقاطه الخمس السامة وبداية الثورة الثقافية وتعطيل كافة القوانين وإلغاء الدستور وتصفية جميع الأشكال الحزبية من على الخريطة السياسية الليبية.
وعلى الطريقة الستالينية الماوية يتم تصنيف النخب الفكرية الليبية بين «مع – ضد».
وبطبيعة الحال يصنف “سعيد سيفاو ” بـ «ضد» فيتم إبعاده عمليا من الكتابة العلنية في الصحف التي كانت تنشر له والتهمة : الدعوى بان كتاباته في التاريخ الليبي الامازيغي والتراث والأدب هي تنظير للشيوعية ! ؟.
تزداد إبداعات ” سعيد سيفاو ” في الكتابة بالامازيغية والعربية ، وتزداد حركته في ربوع ليبيا لنشر الوعي بالهوية و الشخصية، بل ويزور الجزائر والمغرب ويلتقي برموزها الأدبية والثقافية والفنية حيث يلتقي بالمناضل الأب ” مولود معمري ” في جامعة «بن عكنون» و يلتقي بأعضاء جمعية البحث و التبادل الثقافي بالرباط بالمغرب، و يستمر في مراسلتهم بعد ذلك و أهدى عدد من قصائده الامازيغية إلى أشهر فنانين الجزائر الامازيغ والذين تغنوا بها في تسجيلاتهم المتداولة إلى يومنا هذا كالفنان ” فرحات ” ، ” ايمازيغين نيمولا ” كما يلتقي بالامازيغي الكناري ” انطونيو كوبيليلو ” بالجزائر العاصمة ، ويحاول ” سعيد سيفاو ” شرح وضعية الامازيغية في ليبيا وكذلك عقلية العسكر الحكم فيها. للسيد ” انطونيو ” ، قبل أن يقوم بزيارته الأولى إلى ليبيا ومقابلته القيادة الليبية، وقال له : «إن كنت تحاول أن تصل معهم إلي نتائج و قناعات عقلانية فأنت سوف تهدر وقتك بدون طائل أما إذا أردت فقط دعم ومال فما عليك إلا أن تقول لهم : بأننا من أصل حمير ، حيينها سوف يغدقوا عليك من مالنا».
1977 – 1975 سافر ” سعيد سيفاو ” إلى الولايات المتحدة الأمريكية في دورة دراسية لإعداد أطروحة في القانون ومكث هناك قرابة السنة . وبعد ذلك يتزوج “سعيد سيفاو” وينجب “يوغرطن – وأنيا”.
تبدأ مأساة ومعاناة سعيد
في أواسط 1977 بدأ العد التنازلي لمأساة الأديب “سعيد سيفاو”. وكان ذلك في مقال بصفيحة الأسبوع السياسي عدد 271 بقلم رئيس التحرير أنداك ” عبد الرحمن شلقم ” ومندوب ليبيا السابق لدى الامم المتحدة ، تحت عنوان هل أخطاء مجلس قيادة الثورة !؟ وكان الرد من الأديب ” سعيد سيفاو ” في نفس الصحيفة عدد 275 بتاريخ 1977.09.16 مع إحساسه بل وتيقنه من أن الموضوع ليس إلا مجرد طعم لجر الأقلام للكتابة حتى يعاد التأكد من تصنيفها «مع أو ضد» ويتم الجزم في منحها الرضى أو في تصفيتها تمشيا مع صراعات تلك الفترة وشطحاتها الدموية إلا إن إلحاح بعض المقربين مثل ” إبراهيم الكوني ” شخصيا وكذلك بعض الكتابات المستفزة من بعض المأجورين من هم محسوبين على الليبيين الوطنيين، كان السبب في رد الأديب ” سعيد سيفاو ” تحت عنوان: عن الاستلاب التاريخي… «لكي لا تصبح العروبة احتكارا مشرقيا أو شعوبية جديدة».
وبعد أن كتب الليبي الامازيغ ” سعيد سيفاو المحروق ” ما يؤمن به بكل جلاء وشجاعة جاء الرد في العدد التالي لنفس الصحيفة الرد كان عنوان بلا موضوع : ” الآن فهمنا ما نريد ” … وبعدها سلسلة من الردود المتسلقة الرخيصة كرد ” سعيد حفيانة ” ( ابن عم سعيد سيفاو ) هذا الذي كان يراسل ” سيفاو ” قبل ذلك بسنين باللغة الامازيغية ، وهو من كان يردد حلمه الساذج بان الملك قال له في المنام تعالى يا ولدي تعالي ” قبل انقلاب 69 ” ثم أصبح بقدرة قادر منقلبا ثوريا عروبيا قوميا.
وبدأ النظام في ممارسة ألعابه الظلامية الغادرة ، والتي تطورت تدريجيا من المضايقات الإدارية إلى الإهانات المعنوية إلى المراقبة والمتابعة والتهديد إلى الاعتقال.
في نهاية سنة 1978 انتدب ” سيفاو ” إلي مؤسسة الصحافة من شركة الواحة النفطية التي كان مستشارا قانونيا بها ، وذلك تفاديا لمشاكل أخرى كانت ستقع لو استمر في وظيفته ، فـ ” عبد الله السنوسي ” هدد ” سعيد سيفاو ” شخصيا بقوله «قول علينا ثورة وإلا موش ثورة ولكن ما تقربش منشأتنا الحيوية والعسكرية».
سعيد يتعرض لحادث مريب
في 21.02.1979 يتعرض كاتبنا الشاب إلى حادث خسيس مريب وتحديدا في طريق قرجى أمام صيدلية قرجى بطرابلس حيث صدمته سيارة قادمة من الاتجاه المعاكس للطريق لتتجه إليه مباشرة عند ترجله من السيارة قاصداً الصيدلية لشراء الدواء لأبنه وتدهسه بكل وحشية.
يفقد ” سعيد المحروق ” وعيه لأيام ولا يستعيده إلا وهو في إحدى مصحات إيطاليا الاستشفائية و بعد شهر كامل من الفاجعة.. حيث يفيق على حقيقة أنه أصبح ربع أدمي، كسر في العمود الفقري نتج عنه شلل نصفي مع عدم التمكن من السيطرة على البول، وكسر في الرأس ، وتهشم في ذراع اليد اليسرى، ثم تجيره بمعدن يصل بين الذراع والكتف . وتهشم آخر في الفخذ اليسرى وكذلك المضاعفات والآلام المبرحة التي ظل يعاني منها على مدى 14 عشر عاما تقريبا.
وقد عاش ” سعيد سيفاو المحروق ” طيلة 14 عاما مكتويا محروقا بنار التعصب والجهل والعنصرية الحمقاء .عاش معاناته في عناد وجلد بدون آهات ولا توسلات.
وفي إحدى مصحات مدينة صفاقس التونسية والتي توجه إليها بعد أن لاقى من الإهمال المتعمد في مصحات طرابلس أسلم الروح هناك.
سعيد سيفاو رمز من رموز الحركة الأمازيغية بشمال أفريقيا وأحد روادها، الذي توفي على إثر تعرضه لحادث سير مروع ألزمه الفراش،نشأته وتعليمه ..ولد المحروق بمدينة جادو بجبل نفوسة ليبيا سنة 1946 . وقد تيتم من جهة الأم حيث وافاها الأجل في سنة 1953 ، ولم يتجاوز ( سعيد ) السابعة من عمره ، ودفنت في مقبرة سيدي منذر.
وكانت طفولته بين البيت والمدرسة وسلك الكشافة وممارسة بعض هواياته كالمطالعة والمراسلة وبعض المحاولات الكتابية .حيث أخرج أول مجلة حائطية مدرسية له تحت اسم ( جـرما ) 1961 – 1965.ا الأديبوالمناضل الأمازيغي سعيد سيفاو المحروق في سطوريبلغ ( سعيد ) سن الخامسة عشر و تبدأ مواهبه الأدبية في التفتق والإزهار و يكتب أول محاولاته الشعرية جهرا بمجلة الرواد بعنوان ( الرؤيـا ) ،ويبدأ شغفه بالبحث في الهوية واللغة والتاريخ.
ولع باسم ليبيا كثيرا – أصلها – معناها … بدأ يتردد رغم صغر سنه على مجالس الثقافة ومراكزها في طرابلس بالرغم من قلتها، وصعوبة الأمر عليه وهو حديت في أن يستوعب تناقضات المرحلة وشعاراتها وأحداثها في المنطقة لدى كانت جلساته الطويلة في المركز الثقافي المصري بطرابلس آنذاك، وقد دون ” سعيد ” فيما بعد كيف أن لقائه الأول مع كتاب ” تاريخ الفتح العربي في ليبيا ” للشيخ ” الطاهر احمد الزاوي ” وفي تلك السن كان بمثابة الشرارة الأولى لوعيه التاريخي و الوطن الليبي الأمازيغي الخالص.
ويلتقي لأول مرة بعالمي الاباضية الأمازيغيين ” عمرو النامي ” و ” على يحيى محمد ” في إحدى رحلاته الكشفية و في مصر تحديدًا.ي يستمرالفتى ” سعيد ” في التردد على ذلك المركز وبالتالي يتعرف على كتابات الكثير من المثقفين والأدباء والكتاب، وأعجب كثيرا بكتابات القبطي ” سلامة موسى ” ويذكر ” سعيد الأديب ” فيما بعد ، بأنه في تلك المرحلة ، بدأ يشعر بأنه يخرج شيئا فشيئا من قوقعه الداخل وأخذت عيناه الصغيرتان تتفتحان على آفاق جديدة وأفكار مغايرة، وكتب عن ردة فعله الفكرية حينما تعرف على النظرية «الداروينية» ، في تلك السن.و وكنتاجأولي لتلك المرحلة والتي استمرت إلى غاية 1966 بدأت أولى كتابات ” سعيد سيفاو ” الشعرية بالامازيغية في الظهور ومنها قصيدة «AMZRW NEGH» تاريخنا و «TIMUZUA» الكرامة، وأيضا سلسلة البحث والتوثيق للقصص الشعبية الليبية القديمة وكذلك الحكم والأمثلة والطرائف، وغيرها إلى جانب كتاباته المتواصلة في الصحف الوطنية، كالميدان، طرابلس الغرب، اليوم، الهدف.
سعيد يصل مصر
يجتاز ” سعيد سيفاو ” مرحلة الشهادة الثانوية بامتياز وتفوق، مما يؤهله لان يترشح للدراسة في أعلى الكليات وأرقاها بمعايير تلك الحقبة ألا وهي كلية الطب، ويسافر ” سعيد سيفاو ” الشاب إلى القاهرة – مصر وكان ذلك في سنة 1967.إ إلىجانب تفوقه البارز في مجال دراسة الطب ، كانت الفرصة مواتية له للاطلاع وعن قرب على الحياة الثقافية والسياسية في مصر والتي كانت بؤرة الأحداث والقرارات بالنسبة للمنطقة عموما و في أوج التيار القومي العروبي الصاخب الضارب لكل شيء مخالف.
لمع نجم ” سعيد سيفاو ” بين أقرانه الطلبة بمواقفه الشخصية وكتاباته السياسية والأدبية تجاه الأوضاع السائدة في المنطقة عموما وليبيا تحديدا و بعلاقاته الخاصة مع الأمازيغ الجزائر و المغرب، الطلبة معه في مصر.
في نهاية سنة 1969 ، يتعرض ” سعيد سيفاو ” لمضايقات أجهزة النظام (القذافي) أنداك وتبدأ محاولات المساومة ثم التهديد بعد حملة مكثفة من التحقيقات والضغوطات التي تعرض لها في السفارة الليبية بالقاهرة في ذلك الوقت ومع هذا يظل ” سعيد سيفاو ” ابن العشرين ربيعا ، متمسكا بمواقفه ومبادئه وكتاباته رافضا التراجع أو التنازل.
فيؤدي هذا الاحتدام إلى قطع المنحة الدراسية فيضطر إلى الرجوع للوطن ، بعد أن أنهى سنته الدراسية الثانية بكلية الطب بجامعة القاهرة.
عودة “المحروق” إلى الوطن
يلتحق “سعيد سيفاو” حين عودته للوطن بكلية الحقوق بجامعة بنغازي، ومع بدايات دراسته للقانون، أمست مقالاته وكتاباته المختلفة، منتشرة في الكثير من الصحف والمجلات والإصدارات الليبية في تلك الفترة.
1969 – 1972 تقع التحولات السياسية المعروفة في ليبيا، و يتساءل ” سعيد سيفاو ” في كتاباته المنشورة في جرائد «الميدان» و «اليوم» ، وغيرها وبكل علانية : «ماذا سيكون مصير الليبيين الامازيغ والامازيغية في ليبيا في ظل هذه التوجهات العنصرية الاقصائية للقومية العروبية».
واحتفظ النظام الثوري العروبي بحق الإجابة على ” سيفاو ” إلى سنوات لاحقة !.
كانت علاقات “سعيد سيفاو” بالأوساط الأدبية الليبية في تلك الفترة جيدة، بل وحميمة ، مع الكثيرين ، وتوجت تلك العلاقات بالتعرف على الكاتب الليبي المغمور في تلك الفترة ” إبراهيم الكوني ” ونشئت بينهما علاقة صداقة ، حالت الظروف والسلوكيات والأفكار دون استمرارها كما حالت تلك الظروف تماما ، دون استمرار تواجد ” سعيد سيفاو ” في الساحة الأدبية الرسمية في ليبيا.
1972-1974 بداية التحولات السياسية والانقلاب الحقيقي في ليبيا فمع ندوة الفقه الثوري وخطاب زواره «المشئوم» بنقاطه الخمس السامة وبداية الثورة الثقافية وتعطيل كافة القوانين وإلغاء الدستور وتصفية جميع الأشكال الحزبية من على الخريطة السياسية الليبية.
وعلى الطريقة الستالينية الماوية يتم تصنيف النخب الفكرية الليبية بين «مع – ضد».
وبطبيعة الحال يصنف “سعيد سيفاو ” بـ «ضد» فيتم إبعاده عمليا من الكتابة العلنية في الصحف التي كانت تنشر له والتهمة : الدعوى بان كتاباته في التاريخ الليبي الامازيغي والتراث والأدب هي تنظير للشيوعية ! ؟.
تزداد إبداعات ” سعيد سيفاو ” في الكتابة بالامازيغية والعربية ، وتزداد حركته في ربوع ليبيا لنشر الوعي بالهوية و الشخصية، بل ويزور الجزائر والمغرب ويلتقي برموزها الأدبية والثقافية والفنية حيث يلتقي بالمناضل الأب ” مولود معمري ” في جامعة «بن عكنون» و يلتقي بأعضاء جمعية البحث و التبادل الثقافي بالرباط بالمغرب، و يستمر في مراسلتهم بعد ذلك و أهدى عدد من قصائده الامازيغية إلى أشهر فنانين الجزائر الامازيغ والذين تغنوا بها في تسجيلاتهم المتداولة إلى يومنا هذا كالفنان ” فرحات ” ، ” ايمازيغين نيمولا ” كما يلتقي بالامازيغي الكناري ” انطونيو كوبيليلو ” بالجزائر العاصمة ، ويحاول ” سعيد سيفاو ” شرح وضعية الامازيغية في ليبيا وكذلك عقلية العسكر الحكم فيها. للسيد ” انطونيو ” ، قبل أن يقوم بزيارته الأولى إلى ليبيا ومقابلته القيادة الليبية، وقال له : «إن كنت تحاول أن تصل معهم إلي نتائج و قناعات عقلانية فأنت سوف تهدر وقتك بدون طائل أما إذا أردت فقط دعم ومال فما عليك إلا أن تقول لهم : بأننا من أصل حمير ، حيينها سوف يغدقوا عليك من مالنا».
1977 – 1975 سافر ” سعيد سيفاو ” إلى الولايات المتحدة الأمريكية في دورة دراسية لإعداد أطروحة في القانون ومكث هناك قرابة السنة . وبعد ذلك يتزوج “سعيد سيفاو” وينجب “يوغرطن – وأنيا”.
تبدأ مأساة ومعاناة سعيد
في أواسط 1977 بدأ العد التنازلي لمأساة الأديب “سعيد سيفاو”. وكان ذلك في مقال بصفيحة الأسبوع السياسي عدد 271 بقلم رئيس التحرير أنداك ” عبد الرحمن شلقم ” ومندوب ليبيا السابق لدى الامم المتحدة ، تحت عنوان هل أخطاء مجلس قيادة الثورة !؟ وكان الرد من الأديب ” سعيد سيفاو ” في نفس الصحيفة عدد 275 بتاريخ 1977.09.16 مع إحساسه بل وتيقنه من أن الموضوع ليس إلا مجرد طعم لجر الأقلام للكتابة حتى يعاد التأكد من تصنيفها «مع أو ضد» ويتم الجزم في منحها الرضى أو في تصفيتها تمشيا مع صراعات تلك الفترة وشطحاتها الدموية إلا إن إلحاح بعض المقربين مثل ” إبراهيم الكوني ” شخصيا وكذلك بعض الكتابات المستفزة من بعض المأجورين من هم محسوبين على الليبيين الوطنيين، كان السبب في رد الأديب ” سعيد سيفاو ” تحت عنوان: عن الاستلاب التاريخي… «لكي لا تصبح العروبة احتكارا مشرقيا أو شعوبية جديدة».
وبعد أن كتب الليبي الامازيغ ” سعيد سيفاو المحروق ” ما يؤمن به بكل جلاء وشجاعة جاء الرد في العدد التالي لنفس الصحيفة الرد كان عنوان بلا موضوع : ” الآن فهمنا ما نريد ” … وبعدها سلسلة من الردود المتسلقة الرخيصة كرد ” سعيد حفيانة ” ( ابن عم سعيد سيفاو ) هذا الذي كان يراسل ” سيفاو ” قبل ذلك بسنين باللغة الامازيغية ، وهو من كان يردد حلمه الساذج بان الملك قال له في المنام تعالى يا ولدي تعالي ” قبل انقلاب 69 ” ثم أصبح بقدرة قادر منقلبا ثوريا عروبيا قوميا.
وبدأ النظام في ممارسة ألعابه الظلامية الغادرة ، والتي تطورت تدريجيا من المضايقات الإدارية إلى الإهانات المعنوية إلى المراقبة والمتابعة والتهديد إلى الاعتقال.
في نهاية سنة 1978 انتدب ” سيفاو ” إلي مؤسسة الصحافة من شركة الواحة النفطية التي كان مستشارا قانونيا بها ، وذلك تفاديا لمشاكل أخرى كانت ستقع لو استمر في وظيفته ، فـ ” عبد الله السنوسي ” هدد ” سعيد سيفاو ” شخصيا بقوله «قول علينا ثورة وإلا موش ثورة ولكن ما تقربش منشأتنا الحيوية والعسكرية».
سعيد يتعرض لحادث مريب
في 21.02.1979 يتعرض كاتبنا الشاب إلى حادث خسيس مريب وتحديدا في طريق قرجى أمام صيدلية قرجى بطرابلس حيث صدمته سيارة قادمة من الاتجاه المعاكس للطريق لتتجه إليه مباشرة عند ترجله من السيارة قاصداً الصيدلية لشراء الدواء لأبنه وتدهسه بكل وحشية.
يفقد ” سعيد المحروق ” وعيه لأيام ولا يستعيده إلا وهو في إحدى مصحات إيطاليا الاستشفائية و بعد شهر كامل من الفاجعة.. حيث يفيق على حقيقة أنه أصبح ربع أدمي، كسر في العمود الفقري نتج عنه شلل نصفي مع عدم التمكن من السيطرة على البول، وكسر في الرأس ، وتهشم في ذراع اليد اليسرى، ثم تجيره بمعدن يصل بين الذراع والكتف . وتهشم آخر في الفخذ اليسرى وكذلك المضاعفات والآلام المبرحة التي ظل يعاني منها على مدى 14 عشر عاما تقريبا.
وقد عاش ” سعيد سيفاو المحروق ” طيلة 14 عاما مكتويا محروقا بنار التعصب والجهل والعنصرية الحمقاء .عاش معاناته في عناد وجلد بدون آهات ولا توسلات.
وفي إحدى مصحات مدينة صفاقس التونسية والتي توجه إليها بعد أن لاقى من الإهمال المتعمد في مصحات طرابلس أسلم الروح هناك.
0 --التعليقات-- :
إرسال تعليق