بسلام عسُّو، ويدعى أيضا عسو أبسلام. أو عسو وْ بَسلام، من زعماء مقاومة الاحتلال الفرنسي بأيت عطا في جبل صاغرو، فقد ولد حوالي سنة 1908/1890، بقصر "تاغيا" جنوب تنغير، وهي السنة التي شهدت ميلاد حلف التآزر والتضامن بين مختلف قبائل أيت عطا. واقترن هذا الحلف بإنشاء مجلس أطلق عليه "تافراوت نايت عطا" (حصن أيت عطا). اشتغل بالتجارة التي ساعدته على وعيه المبكر بنوايا الاستعمار الفرنسي على المنطقة وخاصة عند احتكاكه بمدينة مراكش وانتخب سنة 1919 "شيخا" على قبيلة "إيملشان" كان عسو بسلام متصوفا وزعيما فذَّا وقد تأثر بالدور القيادي لوالده، الذي لعب دورا مهما في تسيير شؤون القبيلة وقد لقب والده ب "أمغار نْتَامازيت" واكتسب عسو بسلام الخبرة وحسن الاضطلاع بشؤون
القبيلة، فأصبحت له العضوية في الجماعة المسيرة للقبائل "أْجْمَّاع" في سن مبكرة إضافة إلى تمتعه بخصال حربية تجعله يقوم مقام مجموعة من الفرسان يمكن للقبيلة استنفارها في حالة الحرب. (معلمة المغرب الجزء6)، ص 1240• وكان هذا البطل يتمتع بقدرة خارقة على استمالة القبائل وتنظيمها حيث تمكن من إسكات جميع المعارضين له ووحد خلفه جماهير الفلاحين. اجتمعت قبائل آيت عطا العازمة على الجهاد سنة 1932 بقصر "تاغيا" وانتخبت عسو بسلام قائدا عاما للجهاد، لشجاعته وصلابته وخصاله الحميدة وشخصيته القوية. لقد شهدت سنة 1933 معارك عديدة وضارية بين الجيش الفرنسي والمقاومة المسلحة في الجبال، ومنها معركة بوغافر (فبراير - مارس) في منطقة صاغرو و"أسيف ملول" وجبل "بادو" في شرق الأطلس الكبير. واندلعت المقاومة بقبائل آيت عطا بمنخفض "بوغافر" وسط جبل صاغرو ما بين 1930 و1933• وبوغافر يطلق على القسم الأعلى من صاغرو الذي هو امتداد طبيعي لبنية الأطلس الصغير وباني نحو الشمال الشرقي، اسم الجبل وبه عُرفت المعركة التي دارت به (معلمة المغرب الجزء 6) اندلعت المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي بزعامة عسو بسلام حيث كبدت جيش الاحتلال الفرنسي خسائر فادحة، رغم أن قوات المقاومين لا تقارن من حيث العدة والعتاد بقوات الاستعمار. حيث اندلعت معركة بوغافر يوم 12 فبراير 1933 في محاولة من قبائل آيت عطا لمنع المستعمر الفرنسي الذي كان يومها في أوجهه من التغلغل في المنطقة إلى غاية 24 مارس من نفس السنة. وقد أبان المجاهدون رجالا ونساء عن شجاعة كبيرة بقيادة البطل عسو بسلام. ونظرا للخسائر التي لحقت بالمستعمر في الأرواح والعتاد، قرر الجنرال "هوري" الذي كان يقود العمليات إيقاف الهجوم يوم فاتح مارس 1933 وتبنى خطة جديدة تهدف إلى تكثيف القصف وبشكل مستمر لمواقع المجاهدين في جبل بوغافر، مع فرض حصار شديد على المقاومين وذلك بقصف نقط التزود بالماء داخل بوغافر وقصف المخابىء والمسالك التي اعتاد المجاهدون التحرك عبرها، مما عرض الشيوخ والنساء والأطفال للجوع والعطش. لقد واجهت قبائل آيت عطا المجاهدة التي كانت تتألف من 5000 من المجاهدين مسلحين ببنادق تقليدية الجيش الفرنسي الذي كان يتوفر على المدفعية والطائرات إضافة إلى خبرات عسكرية وحوالي 75 ألف جندي خلال فترة المقاومة، مواجهة طويلة وعنيفة وعنيدة في ملحمة بوغافر بقيادة عسو بسلام الذي تلقى رسالة من السلطات الفرنسية سنة 1930 تطالبه بإيقاف هجوماته فكان جوابه كالتالي "إن الذي صاغ هذه الرسالة، عليه أن يأتي ليأخد الجواب من هنا"• فبعد المقاومة التي شهدتها قرى "تَاوْز" و"مسيسي" و"دالْنيفْ" و"تَازَارينْ" و"ديميتير" و"نَّاقُوبْ"، قسمت قبائل آيت عطا إلى ثلاث مجموعات، حيث تمركزت أهمها في بوغافر فيما تمركزت الثانية في جبل "بادو" أما الثالثة فكانت بمنطقة كولميم. واضطر عسو بسلام إلى التفاوض وقبل المستعمر أغلب الشروط ومن بينها "إقرار عسوا بسلام في منصبه كشيخ عام على آيت عطا، وهو منصب احتفظ به إلى الاستقلال، وإعفاء المرأة العطاوية من المساهمة في الحفلات التي تنظمها الإدارة الاستعمارية في مناسبات مختلفة، وإرجاع كل ممتلكات المقاومين المصادرة إلى أصحابها مع إعفائهم من الخدمات الإجبارية والإتاوات التي تفرضها الإدارة الستعمارية على السكان وعدم امتداد سلطة الأكَلاوي إلى منطقة نفوذ آيت عطا" (معلمة المغرب، المصدر السابق عبد القادر بوراس). لقد استطاع المجاهدون العطاويون وعلى رأسهم عسو بسلام أن يبلوا البلاء الحسن في معركة بوغافر، كما انتزعت معركة بوغافر التي استبسل فيها مجاهدو آيت عطا اعتراف الفرنسيين أنفسهم بشجاعة هؤلاء المقاتلين حيث كتب القبطان "جورج سبيلمان" أحد المشاركين فيها "كنت أتأمل بحزن جبل بوغافر وهو آخر معقل للمحاربين الشجعان الذين يفضلون أن يمزقوا إربا إربا على أن يستسلموا وكانوا مرفوقين بزوجاتهم وأبنائهم وماشيتهم"• وكان عسو بسلام قد تقلد مهمة رسمية بمحكمة الاستئناف بإغرم أمزدار، ثم قائدا رسميا سنة 1939، كما تم تنصيبه قائدا بمجرد عودة المغفور له محمد الخامس من المنفى سنة 1956، وقد استقبل كبطل من أبطال الحركة الوطنية سنة 1957، وظل بمنصبه إلى أن توفي في 16 غشت 1960 تحت تداعيات مرض السكري ودفن بمقبرة أجداده بجماعة تاغيا إيملشان. لقد لقب عسو بسلام بأسد بوغافر لأنه شكل قمة المقاومة العطاوية، بصفته أحد رموزها التي سجلها التاريخ بمداد من ذهب في صفحاته الخالدة وستظل معركة بوغافر التي خاضتها المقاومة المغربية بقيادة هذا البطل الشهم إحدى الصفحات المشرقة والخالدة في سجل تاريخ المغرب الحافل بالأمجاد والبطولات، كما ستبقى بمثابة معلمة وضاءة بارزة تستلهم منها الأجيال الحاضرة والمقبلة الدروس والعبر القمينة بمساعدتها على بناء المستقبل ومواجهة رهانات التنمية وترسيخ مبادئ المواطنة في نفوس الناشئة والشباب، خدمة للوطن في سياق بناء المغرب الجديد
0 --التعليقات-- :
إرسال تعليق