يمكن تعـريف أية ذاكـرة شعبية، بما تزخـر به من أحــداث ووقائع،إنها إرث جـماعي مشتـرك لـدى جـميع أفــراد الشعب، لا يحق لأي أحـد أو أي جهة كـيفــما كان وزنهما، محاولة طمسها أو تزييف حقائقها، إذ فعل كهذا يعد جريمة غـير محـمودة العواقـب إن تغاضت سلطة القضاء عن النظر فيها فهي
بلا شك سوف تخضع لمحاسبة التاريخ باعتباره حركة متغيرة في
فكر الإنسان و في وعيه
. وكلما انتعشت وحييت هذه الذاكرة، كلما تقوت واستعصت على عملية المسخ، ومن هنا تأخذ
بلا شك سوف تخضع لمحاسبة التاريخ باعتباره حركة متغيرة في
فكر الإنسان و في وعيه
. وكلما انتعشت وحييت هذه الذاكرة، كلما تقوت واستعصت على عملية المسخ، ومن هنا تأخذ
المصالحة الشاملة مجراها الحقيقي والصحيح؛ «المصالحة الوطنية غير المختزلة في "سنوات الرصاص" فحسب، ولكن الممتدة إلى مقولة مصالحة الدولة مع المجتمع عــبر إعادة كتابة التاريخ و مصالحة الشخصية المغربية مع أصلها الأمازيغي».
فكما هو معلوم، عرف تاريخ المغرب المعاصر، عمليات تزوير و طمس حقائق ممنهجة، كانت الأمازيغية ضحيتها الكبرى، بدءا بهزيمة إيسلي… و استنجاد العائلات الفاسية بالحماية، مرورا بقراءة اللطيف خلال الثلاثينات، ثم الذهاب لمفاوضات "إكس ليبان" من أجل استقلال مشروط وغير كامل، أدى إلى إجهاض نضالات جيش التحرير الذي لا تربطه أية صلة بحزب الاستقلال. بهذا الصدد يعلن محمد سلام أمزيان أن هذا الحزب "لم يتحدث أبدا عن التحرير، لم يكن حزبا للتحرير، والاستقلال حصلوا عليه من فرنسا".
ولأن المشكل الكبير عـند حـزب علال الفاسي هو "الأمازيغ"، إذ انكشف ذلك صراحة سنة 1957، أي مباشرة بعد الاستقلال، عندما خاطب أحد قادة الحزب الفاسي الاستقلاليين قائلا لهم: "أيها الإخوة إن جلاء الجيش الفرنسي قد تم، و إجلاء القواعد الأمريكية في الأفق، لكن المشكل الكبير: كيف يمكن جلاء البربر؟"، متناسيا أن الجلاء لا يتخذ إلا في حق الوافد بنية الغزو والهيمنة.
وإذ يستحيل "جلاء البربر"، إذ يعني ذلك جلاء شعب عن أرضه، تم اختيار بديل عن ذلك، وهو تهميش وإقصاء الهوية واللغة والثقافة باعتباره خيارا ممكن التنفيذ.
من ضمن قـرارات و إجـراءات هـذا المخطط المعروف، يمكن ذكـر، عـلى سبيل المثال:
ـ إلغاء العمل بالظهير المنظم للعدالة وفق الأعـراف الأمازيغية الذي كان جاريا به العمل، فهذا القرار كان ينتظر، فقط ، الوقت المناسب للتنفيذ؛
ـ إلغاء قرار تدريس اللغة الأمازيغية بكوليج أزرو، حيث كان تدريسها شبه إجباري؛
ـ إغلاق معهد الدراسات الأمازيغية بالرباط؛
ـ الإحالة القسـرية للأطر الأمازيغية على التقاعـد دون استيفائهم للسـن القانوني للتقاعد خلال السبعينات؛
ـ التراجع عن مشروع قانون ينص على إحداث معهد للدراسات الأمازيغية، صوت عليه البرلمان بالإجماع سنة 1980؛
ـ تحويل الأمازيغية إلى الموضوع/ الطابو، يتضح ذلك جليا خلال اعتقال المناضل علي صدقي أزبكو، أوائل الثمانينات، نتيجة مقال اعتبر من خلاله، أن المشكل الثقافي في المغرب مشكل حقيقي..؛
ـ التهميش الاقتصادي للمناطق الناطقة بالأمازيغية، ليقال في الأخير إن مشكل هؤلاء الأمازيغ ليس هو اللغة والثقافة، بل المشكل الأساسي عندهم هو الخبز والصحة والكهرباء والماء والطرق !؛
ـ دفع الأمازيغ إلى الهجرة بالآلاف إلى الخارج؛
ـ تبني شعار تعليم معرب، معمم على كل المغاربة؛
إذن السؤال «كيف يمكن جلاء البربر؟» لم تكن فلتة لسان، بل هاجسا قديما، وسؤالا يشخص حساسية مزمنة تجاه الأمازيغ. ولعل الإجراءات السالفة الذكر، وغيرها كثير، تؤكد أن الأمازيغية ظلت طيلة عقود ما بعد الاستقلال مشكلا كبيرا اضطر أحد منظري القومية العربية في المغرب (صاحب المشروع الفكري الفاشل( إلى المناداة بـ" إماتتها"، وتوقع أحد المؤرخين الرسميين أنها "ستلفظ أنفاسها بفعل انتشار التعليم، واتساع شبكة المواصلات، وأن تفسح المجال بذلك للغة العربية الفصيحة و العامية".
ينبغي الإقرار أن الإجـراءات المتخذة في حق الأمازيغية، نتجت عنها آثار ملحوظة على المستوى الاجتماعي، حيث نشأت أجيال ما بعد الاستقلال على الأيديولوجية العربية، و ظهرت نتائج ذلك واضحة على وعي الإنسان الأمازيغي و لسانه.
لكن هذه الإجراءات لم تستطع القضاء الكلي على كيان الأمازيغية، وهنا نستنتج فشل أو تعثر مخطط التعريب من الناحية السياسية، يقوي هذا الاستنتاج ظهور حركة أمازيغية إلى الوجود، وطرحها للقضية على أسس علمية، ومن جهة نظر ثقافية ولغوية وحقوقية، وتقويضها بذلك للأطروحة المعتمدة على التأويل الضيق والمصطنع لظهير 16 ماي 1930.
فرغم أن تلك الإجراءات كلفت زمنا طويلا لم ينقض بعد، وإمكانات مالية ضخمة لم تتوقف، لا زالت الأمازيغية حية، وفي هذا الإطار، أود القول، إذا كانت للأمية من فضيلة، فهو دورها الكبير في حفظ اللغة الأمازيغية من الاندثار، خصوصا إذا كان محو الأمية يرتكز على خلفية محو لسان وتعويضه بلسان آخر، نفي لغة بواسطة لغة، فالأمية، هنا، تعني حماية موروثنا الثقافي من الضياع!
ظلت الأمازيغية حية كذلك، بفضل احتكاك الأمازيغ بالعلوم الإنسانية الحديثة، الشيء الذي أنتج مناضلين مثقفين كرسوا حياتهم للدفاع عن القضية الأمازيغية، داخل المغرب وخارجه، وأيضا بفضل "عبقريتها" (أي الأمازيغية) التي اكتسبتها عبر قرون، وتجذر هذه العبقرية في الذاكرة وفي الطوبونيميا والمنتوج الفني والاحتفالي و في نمط العيش…
في مقابل التخطيط للقضاء على الأمازيغية، أريد لوقائع تمت في تاريخنا المعاصر، أن تظل علامة على مجد، فسن الاحتفال السنوي بذكراها مثل وثيقة المطالبة بالاستقلال التي – كما هو معلوم- لا يتعدى الاحتفال بها التعطل عن العمل والخلود للراحة أو قضاء المآرب، إذ أن فرحة العيد لا يمكن أن تبدو إلا على من شملته بركة الذكرى، فهؤلاء وحدهم لهم أن يعتبروا وثيقة الاستقلال "وثيقة ثورة" ) أنظر جريدة العلم، العدد 19956- 11 يناير 2005(.
بيد أن الـذاكرة الأمازيغية لن تنسى أن "نفـس الأسماء العائلية التي استنجدت بالاستعمار لحمايتها في بداية القرن، هي نفسها التي ستقرأ اللطيف في الثلاثينات، وتوقع المطالبة بالإصلاحات، ثم وثيقة الاستقلال في الأربعينات، وهي التي ستتحكم في أكثر من ثلثي الدخل العام الوطني بعد الاستقلال، رغم أن التاريخ لم يسجل أي فرد من أفرادها رفع مسدسا في وجه الاستعمار أو سقط برصاصة هذا الأخير".
فكما هو معلوم، عرف تاريخ المغرب المعاصر، عمليات تزوير و طمس حقائق ممنهجة، كانت الأمازيغية ضحيتها الكبرى، بدءا بهزيمة إيسلي… و استنجاد العائلات الفاسية بالحماية، مرورا بقراءة اللطيف خلال الثلاثينات، ثم الذهاب لمفاوضات "إكس ليبان" من أجل استقلال مشروط وغير كامل، أدى إلى إجهاض نضالات جيش التحرير الذي لا تربطه أية صلة بحزب الاستقلال. بهذا الصدد يعلن محمد سلام أمزيان أن هذا الحزب "لم يتحدث أبدا عن التحرير، لم يكن حزبا للتحرير، والاستقلال حصلوا عليه من فرنسا".
ولأن المشكل الكبير عـند حـزب علال الفاسي هو "الأمازيغ"، إذ انكشف ذلك صراحة سنة 1957، أي مباشرة بعد الاستقلال، عندما خاطب أحد قادة الحزب الفاسي الاستقلاليين قائلا لهم: "أيها الإخوة إن جلاء الجيش الفرنسي قد تم، و إجلاء القواعد الأمريكية في الأفق، لكن المشكل الكبير: كيف يمكن جلاء البربر؟"، متناسيا أن الجلاء لا يتخذ إلا في حق الوافد بنية الغزو والهيمنة.
وإذ يستحيل "جلاء البربر"، إذ يعني ذلك جلاء شعب عن أرضه، تم اختيار بديل عن ذلك، وهو تهميش وإقصاء الهوية واللغة والثقافة باعتباره خيارا ممكن التنفيذ.
من ضمن قـرارات و إجـراءات هـذا المخطط المعروف، يمكن ذكـر، عـلى سبيل المثال:
ـ إلغاء العمل بالظهير المنظم للعدالة وفق الأعـراف الأمازيغية الذي كان جاريا به العمل، فهذا القرار كان ينتظر، فقط ، الوقت المناسب للتنفيذ؛
ـ إلغاء قرار تدريس اللغة الأمازيغية بكوليج أزرو، حيث كان تدريسها شبه إجباري؛
ـ إغلاق معهد الدراسات الأمازيغية بالرباط؛
ـ الإحالة القسـرية للأطر الأمازيغية على التقاعـد دون استيفائهم للسـن القانوني للتقاعد خلال السبعينات؛
ـ التراجع عن مشروع قانون ينص على إحداث معهد للدراسات الأمازيغية، صوت عليه البرلمان بالإجماع سنة 1980؛
ـ تحويل الأمازيغية إلى الموضوع/ الطابو، يتضح ذلك جليا خلال اعتقال المناضل علي صدقي أزبكو، أوائل الثمانينات، نتيجة مقال اعتبر من خلاله، أن المشكل الثقافي في المغرب مشكل حقيقي..؛
ـ التهميش الاقتصادي للمناطق الناطقة بالأمازيغية، ليقال في الأخير إن مشكل هؤلاء الأمازيغ ليس هو اللغة والثقافة، بل المشكل الأساسي عندهم هو الخبز والصحة والكهرباء والماء والطرق !؛
ـ دفع الأمازيغ إلى الهجرة بالآلاف إلى الخارج؛
ـ تبني شعار تعليم معرب، معمم على كل المغاربة؛
إذن السؤال «كيف يمكن جلاء البربر؟» لم تكن فلتة لسان، بل هاجسا قديما، وسؤالا يشخص حساسية مزمنة تجاه الأمازيغ. ولعل الإجراءات السالفة الذكر، وغيرها كثير، تؤكد أن الأمازيغية ظلت طيلة عقود ما بعد الاستقلال مشكلا كبيرا اضطر أحد منظري القومية العربية في المغرب (صاحب المشروع الفكري الفاشل( إلى المناداة بـ" إماتتها"، وتوقع أحد المؤرخين الرسميين أنها "ستلفظ أنفاسها بفعل انتشار التعليم، واتساع شبكة المواصلات، وأن تفسح المجال بذلك للغة العربية الفصيحة و العامية".
ينبغي الإقرار أن الإجـراءات المتخذة في حق الأمازيغية، نتجت عنها آثار ملحوظة على المستوى الاجتماعي، حيث نشأت أجيال ما بعد الاستقلال على الأيديولوجية العربية، و ظهرت نتائج ذلك واضحة على وعي الإنسان الأمازيغي و لسانه.
لكن هذه الإجراءات لم تستطع القضاء الكلي على كيان الأمازيغية، وهنا نستنتج فشل أو تعثر مخطط التعريب من الناحية السياسية، يقوي هذا الاستنتاج ظهور حركة أمازيغية إلى الوجود، وطرحها للقضية على أسس علمية، ومن جهة نظر ثقافية ولغوية وحقوقية، وتقويضها بذلك للأطروحة المعتمدة على التأويل الضيق والمصطنع لظهير 16 ماي 1930.
فرغم أن تلك الإجراءات كلفت زمنا طويلا لم ينقض بعد، وإمكانات مالية ضخمة لم تتوقف، لا زالت الأمازيغية حية، وفي هذا الإطار، أود القول، إذا كانت للأمية من فضيلة، فهو دورها الكبير في حفظ اللغة الأمازيغية من الاندثار، خصوصا إذا كان محو الأمية يرتكز على خلفية محو لسان وتعويضه بلسان آخر، نفي لغة بواسطة لغة، فالأمية، هنا، تعني حماية موروثنا الثقافي من الضياع!
ظلت الأمازيغية حية كذلك، بفضل احتكاك الأمازيغ بالعلوم الإنسانية الحديثة، الشيء الذي أنتج مناضلين مثقفين كرسوا حياتهم للدفاع عن القضية الأمازيغية، داخل المغرب وخارجه، وأيضا بفضل "عبقريتها" (أي الأمازيغية) التي اكتسبتها عبر قرون، وتجذر هذه العبقرية في الذاكرة وفي الطوبونيميا والمنتوج الفني والاحتفالي و في نمط العيش…
في مقابل التخطيط للقضاء على الأمازيغية، أريد لوقائع تمت في تاريخنا المعاصر، أن تظل علامة على مجد، فسن الاحتفال السنوي بذكراها مثل وثيقة المطالبة بالاستقلال التي – كما هو معلوم- لا يتعدى الاحتفال بها التعطل عن العمل والخلود للراحة أو قضاء المآرب، إذ أن فرحة العيد لا يمكن أن تبدو إلا على من شملته بركة الذكرى، فهؤلاء وحدهم لهم أن يعتبروا وثيقة الاستقلال "وثيقة ثورة" ) أنظر جريدة العلم، العدد 19956- 11 يناير 2005(.
بيد أن الـذاكرة الأمازيغية لن تنسى أن "نفـس الأسماء العائلية التي استنجدت بالاستعمار لحمايتها في بداية القرن، هي نفسها التي ستقرأ اللطيف في الثلاثينات، وتوقع المطالبة بالإصلاحات، ثم وثيقة الاستقلال في الأربعينات، وهي التي ستتحكم في أكثر من ثلثي الدخل العام الوطني بعد الاستقلال، رغم أن التاريخ لم يسجل أي فرد من أفرادها رفع مسدسا في وجه الاستعمار أو سقط برصاصة هذا الأخير".
0 --التعليقات-- :
إرسال تعليق