2011-01-19

محمد المختار السوسي


ولد محمد المختار السوسي بقرية دّوكادير إلغ ( تحت الحصن) الواقعة على بعد 174 كلم جنوب مدينة أكادير لوالده رئيس الزاوية الدرقاوية الشيخ علي بن أحمد الإلغي ووالدته رقية بنت العلامة المؤلف المدرس محمد بن العربي الأدوزي، والأسرتان السعيدية الإلغية والأدوزية عريقتان في العلم والصلاح توالى فيهماالرجال الصالحون والعلماء والحفاظ .
افتتح السوسي تعليمه على والدته فعلمته الكتابة والقراءة وحفظ عليها شيئا من القرآن ثم أتم حفظه على بعض مريدي والده بالزاوية الدرقاوية ، ثم تنقل بين مدارس منطقة سوس كمدرسة إيغشَّان ومدرسة بونعمان ومدرسة تانكرت فدرس على كبار شيوخها خاصة الشاعر الأديب المجاهد الطاهر الإفراني فأخذ عنهم اللغة والفقه والفرائض والحساب والأصول ، كما اهتم بالخصوص بالأدب بتشجيع ومتابعة من عبد الرحمان البوزكارني أحد كبار الطلبة إذ ذاك بمدرسة تانكرت فتأثر بعنايته بمطالعة كتب الأدب الأندلسي وحفظ أشعارها خاصة نفح الطيب للمقري ، وفي هذه المرحلة صدرت عنه مقطعات شعرية ورسائل كانت باكورة إنتاجه الأدبي .
اتجه السوسي سنة 1338 بتوجيه من بعض أقربائه إلى مدينة مراكش لاستكمال معارفه فانكب على التحصيل بجامع ابن يوسف منقطعا عن المخالطة بتأثير نفحة صوفية ، غير أن فكره شهد تغيرا جذريا فاستبدل الفكر السلفي المتفتح بسلوك أبناء الطرق ومريدي الزوايا وذلك لما حل الشيخ السلفي المصلح أبو شعيب الدكالي بمراكش حيث ألقى سلسلة دروس كان يدعو فيها إلى العودة إلى أصلي التشريع كتاب الله وسنة رسوله r والعناية بعلمي التفسير والحديث واقتفاء أثر السلف الصالح وكان لكل ذلك تأثير كبير في نفس السوسي وفكره فكان ذلك إيذانا ببدء مرحلة جديدة من حياته
أحس السوسي أن مراكش لن تستطيع إشباع نهمه للعلوم وتحقيق طموحه المعرفي فغادرها إلى فاس سنة 1343 وانتسب لجامع القرويين،واندمج في البيئة الفاسية المتفتحة على العالم في ظل حركة ثقافية ووطنية حية نشأت بحماس طائفة من المفكرين الشباب في تلك المرحلة التي كان فيها الاستعمار الفرنسي متمكنا من الرقاب ،قال عن تلك المرحلة : " في فاس استبدلت فكرا بفكر فتكون لي مبدأ عصري على آخر طراز ، فقد ارتكز على العلم والدين ، والسنة القويمة … وكنت أصاحب كل المفكرين إذ ذاك وكانوا نخبة في العفة والعلم والدين ، ينظرون إلى بعيد " (الإلغيات 2/225)
في ذلك الجو الثقافي الحي قضى السوسي أربع سنوات اقتنع خلالها بقيمة العلم والعمل ودورهما في تغيير حال المجتمع والوطن ، وخطط مع زملائه لمستقبل بلادهم فأسسوا جمعيتين الأولى ثقافية معلنة سموها جمعية الحماسة وترأسها هو نفسه، والثانية سياسية سرية ترأسها علال الفاسي ، وأول مشروع بدأت به النخبة الوطنية نشر الوعي الإسلامي من خلال التطوع للتدريس بالمدرسة الناصرية باعتبار ذلك خطوة في تحقيق التغيير المنشود غير أن نشاط المدرسة لفت إليها أنظار الاستعمار فأغلقها ، وقد نتج عن ذلك اقتناع أعضاء الجمعيتين بنجاعة الأسلوب الذي سلكوه وضرورة الانتشار في المغرب للنهوض بجهاته المختلفة .
غادر السوسي فاسا إلى الرباط التي أقام بها سنة 1347 وحضر خلالها دروس علمائها السلفيين المجدين مثل المدني بن الحسني والشيخ الدكالي والشيخ محمد السائح كما اطلع على الأدب العربي القديم والحديث في نوادر مصادره وفي المجلات والمطبوعات المختلفة ورأى تنوع مذاهبه وإبداعات أدبائه وكانت له مسامرات ومناقشات مع الأديب محمد بن العباس القباج ، ولم تكن معارف الرباط لتشبع نهم السوسي للعلوم فقرر السفر إلى مصر إلا أن قلة ذات يده منعته .
رجع السوسي إلى مدينة مراكش فاستقر بزاوية والده بها في حي الرميلة قاصدا الاشتغال بالتعليم والتربية باعتبارهما السبيل القويم لمحاربة الجهل والتخلف ومحاربة الاستعمار ومناهجه التعليمية التي كانت تركز على تحقير عقيدة الأمة ومحو لغتها ، فبدأ تدريس طائفة قليلة من الأطفال من أقاربه وجيران الزاوية التي تحول قسم منها إلى كتاب قرآني غير أنه سرعان ما طارت شهرته وتقاطر عليه الطلبة باختلاف مستوياتهم فنظم الدراسة وآوى الجميع مستعينا بموارد أعماله التجارية والفلاحية وبهبات المحسنين من أصدقائه ، كما اعتنى بالمواد المهملة في المقررات الرسمية التي أرساها الاحتلال الفرنسي كاللغة العربية والقرآن والتاريخ المغربي والسيرة النبوية وفي النظام العتيق كالتفسير وعلوم الحديث والأدب .
لم يكتف السوسي بعمله في مدرسة الرميلة بل أضاف إليه دروسا عامة يلقيها في المساجد ورئاسة الجمعية الخيرية الإسلامية التي كان يقف فيها في وجه مصالح طاغية مراكش الباشا التهامي الكلاوي ، وحركة دائبة لتأسيس مدارس حرة على غرار ما فعل في الرميلة حاثا زملاءه العلماء على السير على نهجه ففتحت بفضل ذلك عدة مدارس .
وقد لفت عمل السوسي الدائب نظر الحكام الاستعماريين بمراكش فعملوا على محاربته بترغيبه في مناصب رسمية كالقضاء وترهيبه بالاستدعاءات المتكررة والاستفسارات والاستفزازات ، ولما يئسوا من انصياعه قرروا نفيه ، فأخرج على حين غرة من مراكش منفيا إلى مسقط رأسه سنة 1355 حيث قضى تسع سنوات ذاق خلالها مرارة العزلة والغربة إذ منع من الاتصال بالأجانب بل بأبناء بلده فبقي بعيدا عن طلبته وأصدقائه من العلماء والأدباء منكسر القلب من ضياع جهده في تكوين طلبته وتخريجهم على النحو الذي يرضيه .
غير أن السوسي لم يستسلم للقدر ولم يقض وقته في البكاء على ماضيه بل انتهز فرصة فراغه ليشتغل بما ينفع أمته ، فصرف همته إلى جمع تاريخ منطقة سوس التي اشتهرت في التاريخ بكثرة العلماء ووفرة الأدباء وتمسك أهلها بالشرع الإسلامي ، قال عن ذلك : " سودت في إلغ مسقط رأسي ، حيث ألزمت العزلة عن الناس ، أجزاء كثيرة تناهز خمسين جزءا في العلماء والأدباء والرؤساء والأخبار والنوادر ، والهيئة الاجتماعية .. وكلها مقصورة على أداء الواجب عليّ ، من أحياء تلك البادية التي سبق في الأزل أن كنت ابنا من أبنائها ، ويعلم الله أنه لو قدر لي أن أكون ابن تافيلالت أو درعة أو الريف أو جبالة أو الأطلس أو دكالة ، لرأيت الواجب عليّ أن أقوم بمثل هذا العمل نفسه ، لتلك الناحية التي تنبت نبعتي فيها ، لأنني من الذين يرون المغرب جزءا لا يتجزأ ، بل أرى العالم العربي كله من ضفاف الأطلسي إلى ضفاف الرافدين وطنا واحدا ، بل أرى جميع بلاد الإسلام كتلة متراصة من غرب شمال إفريقيا إلى إندونيسية ، لا يدين بدين الإسلام الحق من يراها بعين الوطنية الضيقة التي هي من بقايا الاستعمار الغربي في الشرق ، بل لو شئت أن أقول – ويؤيدني ديني فيما أقول – إنني أرى الإنسانية جمعاء أسرة واحدة، لا فضل فيها لعربي على عجمي إلا بالتقوى ، والناس من آدم ، وآدم من تراب ] يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ["
لقد كان العمل العظيم السوسي في حوالي ثمانين جزءا ردا حاسما علميا على الظهير البربري الصادر في نسخته النهائية سنة 1930 والرامي إلى الفصل بين العرب والأمازيغ ، ليؤكد أن المغاربة على اختلاف ألسنتهم انصهروا في بوتقة واحدة هي الإسلام واللغة العربية ، قال : " إنني رأيت منذ سنوات أن هذا الشعب محتاج إلى جهود من كل جهة جهود تأخذ بيد حاضره .. وجهود تأخذ بيد ماضيه من إحياء ما كان له من مجد ، وما كان أثله من سؤدد ، وما عرفه له التاريخ من حياة علمية ، فإذا منعت من السير في تلقيح الأفكار في الحاضر بلساني ، فلأنفذ وعدي بالاجتهاد في إحياء ماضيه بيراعي ، وقد رأيت هذه الزاوية من المغرب مجهولة كثيرا حتى عند المغاربة أنفسهم ، فضلا عن العالم كله ، فقلت في نفسي : لأقم على حساب مستطاعي بإلقاء ضوء على تقلبات هذه الزاوية ، فكان ذلك شغلي الوحيد منذ وطئت هذه الأرض.."

هناك 4 تعليقات:

  1. chokran 3ala alm3loumat

    ردحذف
  2. وانا بدوري اشكرك على تعليقك المقتضب

    ردحذف
  3. Hmm is anyone else experiencing problems with the pictures on this blog loading?
    I'm trying to determine if its a problem on my end or if it's the blog.

    Any suggestions would be greatly appreciated.

    Also visit my web blog foot pain

    ردحذف